فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: وكلا الوجهين وحي. وقوله: {أن سبحوا}، {أن} مفسرة بمعنى أي ، و{سبحوا} قال قتادة: معناه صلوا، والسبحة الصلاة، وقالت فرقة: بل أمرهم بذكر الله وقول سبحان الله. وقرأ طلحة {أن سبحوه} بضمير، وباقي الآية ويقال (وحى وأوحى) بمعنى واحد.
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)}.
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود {يا يحيى}، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه. و{الكتاب} التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجودًا عند الناس. وقوله: {بقوة} أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال: {وآتيناه الحكم صبيًا}، واختلف في {الحكم} فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، و{صبيًا} يريد شابًا لم يبلغ حد الكهول. وقال الحسن {الحكم} النبوة، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقال فرقة {الحكم} الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن {أوتي الحكم صبيًا}، وقوله: {وحنانًا} عطف على قوله: {الحكم} {وزكاة} عطف عليه، أعمل في جميع ذلك {آتيناه}، ويجوز أن يكون قوله: {وحنانًا} عطفًا على قوله: {صبيًا}، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان، وقال عطاء بن أبي رباح {حنانًا من لدنا} بمعنى تعظيمًا من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضًا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح (والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانًا). وقد روي عن ابن عباس أنه قال «والله ما أدري ما الحنان». و(الزكاة) التطهير والتنمية في وجود الخير والبر. و(التقي) من تقوى الله عز وجل، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة، وقال مجاهد: كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس: الوافر:
وتمنحها بنو شمجى بن جرم ** معيزهمُ حنانك ذا الحنان

وقال النابغة: الطويل:
أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا ** حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وقال الآخر: منذر بن إبراهيم الكلبي الطويل:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف

وقوله تعالى: {وبرًا بوالديه} الآية، {البر} الكثير البر.
و(الجبار) المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه والنخلة الجبارة العظيمة العالية. و(العصي) أصله عصوي فعول بمعنى فاعل. وروي أن يحيى بن زكرياء عليه السلام لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة كما تقدم. وقوله: {وسلام} قال الطبري وغيره، معناه وأمان، والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان وهي أقل درجاته وإنما الشرف في أن أسلم الله عليه وحياه في المواطن التي الأنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر الى الله وعظيم الهول، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع لي فأنت خير مني. فقال عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
قال القاضي أبو محمد: قال أبي، رضي الله عنه: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال إذلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه عليه السلام لكل وجه.
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود {يا يحيى}، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه. و{الكتاب} التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجودًا عند الناس. وقوله: {بقوة} أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال: {وآتيناه الحكم صبيًا}، واختلف في {الحكم} فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، و{صبيًا} يريد شابًا لم يبلغ حد الكهول. وقال الحسن {الحكم} النبوة، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقال فرقة {الحكم} الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن (أوتي الحكم صبيًا)، وقوله: {وحنانًا} عطف على قوله: {الحكم} {وزكاة} عطف عليه، أعمل في جميع ذلك {آتيناه}، ويجوز أن يكون قوله: {وحنانًا} عطفًا على قوله: {صبيًا}، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان، وقال عطاء بن أبي رباح {حنانًا من لدنا} بمعنى تعظيمًا من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضًا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح (والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانًا).
وقد روي عن ابن عباس أنه قال (والله ما أدري ما الحنان). و(الزكاة) التطهير والتنمية في وجود الخير والبر. و(التقي) من تقوى الله عز وجل، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة، وقال مجاهد: كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس: الوافر:
وتمنحها بنو شمجى بن جرم ** معيزهمُ حنانك ذا الحنان

وقال النابغة: الطويل:
أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا ** حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وقال الآخر: منذر بن إبراهيم الكلبي الطويل:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف

وقوله تعالى: {وبرًا بوالديه} الآية، (البر) الكثير البر. و(الجبار) المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه والنخلة الجبارة العظيمة العالية. و(العصي) أصله عصوي فعول بمعنى فاعل. وروي أن يحيى بن زكرياء عليه السلام لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة كما تقدم. وقوله: {وسلام} قال الطبري وغيره، معناه وأمان، والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان وهي أقل درجاته وإنما الشرف في أن أسلم الله عليه وحياه في المواطن التي الأنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر الى الله وعظيم الهول، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع لي فأنت خير مني. فقال عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
قال القاضي أبو محمد: قال أبي، رضي الله عنه: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال إذلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه عليه السلام لكل وجه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فخرج على قومه}.
وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها أمرأته {من المحراب} أي: من مصلاَّه وقد ذكرناه في [آل عمران: 39].
قوله تعالى: {فأوحى إِليهم} فيه قولان:
أحدهما: أنه كتب إِليهم في كتاب، قاله ابن عباس.
والثاني: أومأَ برأسه ويديه، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {أن سَبِّحوا} أي: صلُّوا {بُكْرة وعَشِيًّا} قد شرحناه في [آل عمران: 39]، والمعنى: أنه كان يخرج إِلى قومه فيأمرهم بالصلاة بُكْرة وعَشِيًّا، فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إِشارة.
قوله تعالى: {يا يحيى}.
قال الزجاج: المعنى: فوهبنا له يحيى، وقلنا له: يا يحيى {خذ الكتاب} يعني: التوراة، وكان مأمورًا بالتمسك بها.
وقال ابن الأنباري: المعنى: اقبل كُتُبَ الله كلَّها إِيمانًا بها واستعمالًا لأحكامها.
وقد شرحنا في [البقرة: 63] معنى قوله: {بقوّة}.
قوله تعالى: {وآتيناه الحُكْم} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الفهم، قاله مجاهد.
والثاني: اللُّب، قاله الحسن، وعكرمة.
والثالث: العِلْم، قاله ابن السائب.
والرابع: حفظ التوراة وعلْمها، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وقد زدنا هذا شرحًا في سورة [يوسف: 23].
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم، فهو ممن أُوتيَ الحُكم صبيًّا. فأما قوله: {صبيًّا} ففي سنِّه يوم أُوتيَ الحُكم قولان:
أحدهما: أنه سبع سنين، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ثلاث سنين، قاله قتادة، ومقاتل.
قوله تعالى: {وحنانًا من لَدُنّا} قال الزجاج: أي: وآتيناه حنانًا.
وقال ابن الأنباري: المعنى: وجعلناه حنانًا لأهل زمانه.
وفي الحنان ستة أقوال.
أحدها: أنه الرحمة، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والفراء، وأبو عبيدة، وأنشد:
تَحَنَّنْ عليَّ هَدَاكَ الملِيك ** فإنّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاَ

قال: وعامة ما يُستعمَل في المنطق على لفظ الاثنين، قال طرفة:
أبا مُنْذرٍ أفنيتَ فاستبقِ بَعضَنَا ** حَنَانَيْكَ بعضُ الشَّرِّ أهونُ مِنْ بَعْضِ

قال ابن قتيبة: ومنه يقال: تحنَّن عليَّ، وأصله من حنين الناقة على ولدها.
وقال ابن الأنباري: لم يختلف اللغويون أن الحنان: الرحمة، والمعنى: فعلنا ذلك رحمةً لأبويه، وتزكيةً له.
والثاني: أنه التعطف من ربِّه عليه، قاله مجاهد.
والثالث: أنه اللِّين، قاله سعيد بن جبير.
والرابع: البَرَكة، وروي عن ابن جبير أيضًا.
والخامس: المَحبَّة، قاله عكرمة، وابن زيد.
والسادس: التعظيم، قاله عطاء بن أبي رباح.
وفي قوله: {وزكاة} أربعة أقوال.
أحدها: أنها العمل الصالح، قاله الضحاك، وقتادة.
والثاني: أن معنى الزكاة: الصدقة، فالتقدير: إِن الله تعالى جعله صدقة تصدّق بها على أبويه، قاله ابن السائب.
والثالث: أن الزكاة: التطهير، قاله الزجاج.
والرابع: أن الزكاة: الزيادة، فالمعنى: وآتيناه زيادة في الخير على ما وُصف وذُكِر، قاله ابن الأنباري.
قوله تعالى: {وكان تقيًّا} قال ابن عباس: جعلته يتَّقيني، ولا يعدل بي غيري.
قوله تعالى: {وبَرًّا بوالديه} أي: وجعلناه بَرًّا بوالديه، والبَرُّ بمعنى: البارّ؛ والمعنى: لطيفًا بهما، محسنًا إِليهما.
والعَصِيَّ بمعنى: العاصي.
وقد شرحنا معنى الجبّار في [هود: 59].
قوله تعالى: {وسلام عليه} فيه قولان:
أحدهما: أنه السلام المعروف من الله تعالى.
قال عطاء: سلام عليه مِنِّي في هذه الأيام؛ وهذا اختيار أبي سليمان.
والثاني: أنه بمعنى: السلامة، قاله ابن السائب.
فإن قيل: كيف خَصَّ التسليم عليه بالأيام، وقد يجوز أن يولد ليلًا ويموت ليلًا؟
فالجواب: أن المراد باليوم الحِين والوقت، على ما بيّنا في قوله: {اليوم أكملتُ لكم دينَكم} [المائدة: 3].
قال ابن عباس: وسلام عليه حين وُلد.
وقال الحسن البصري: التقى يحيى وعيسى، فقال يحيى لعيسى: أنتَ خير مني، فقال عيسى ليحيى: بل أنت خير مني، سلَّم الله عليك، وأنا سلَّمتُ على نفسي.
وقال سعيد بن جبير مثله: إِلا أنه قال أثنى الله عليك، وأنا أثنيت على نفسي.
وقال سفيان بن عيينه: أوحش ما يكون الإِنسان في ثلاثة مواطن، يوم يولد فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهم، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر لم يره، فخص الله تعالى يحيى فيها بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ}.
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} أي أشرف عليهم من المصلى.
والمحراب أرفع المواضع، وأشرف المجالس، وكانوا يتخذون المحاريب فيما ارتفع من الأرض، دليله محراب داود عليه السلام على ما يأتي.
واختلف الناس في اشتقاقه؛ فقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمه يحارب الشيطان والشهوات.
وقالت فرقة: هو مأخوذ من الحَرَب (بفتح الراء) كأن ملازمه يلقى منه حربًا وتعبًا ونصبًا.
الثانية: هذه الآية تدل على أن ارتفاع إمامهم على المأمومين كان مشروعًا عندهم في صلاتهم.
وقد اختلف في هذه المسألة فقهاء الأمصار، فأجاز ذلك الإمام أحمد بن حنبل وغيره متمسكًا بقصة المنبر.
ومنع مالك ذلك في الارتفاع الكثير دون اليسير، وعَلَّل أصحابه المنع بخوف الكبْر على الإمام.
قلت: وهذا فيه نظر؛ وأحسن ما فيه ما رواه أبو داود عن همام أن حذيفة أَمَّ الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن هذا أو يُنهَى عن ذلكا قال: بلى؛ قد ذكرت حين مددتني.